الجمعة، 25 يوليو 2014

(همّت به، وهمّ بها)!!


(يوسف) أحد متابعي (الخط الساخن للتدبر) يسأل عن معنى (الهم) في قوله:
(ولقد همّت بها وهمّ بها)24/يوسف.
_________________

الإجابة:
*حول معنى الهم، ينقل صاحب كتاب مفاهيم القرآن (5/ 168) عن معجم لسان العرب فيقول:
(لقد فسّره ابن منظور في لسانه بقوله : همّ بالشيء يهم همّاً : نواه وأراده وعزم عليه ، قال سبحانه : ( وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا )).

هذا هو المعنى الحرفي، أما في مآلات الآية وحقيقتها الواقعية فقد اختلفت أقوال المفسرين حولها، وأوصلها البعض لثمانية تأويلات تقريباً، بينما يجمل تفسير الأمثل آراء المفسرين إلى ثلاثة تحليلات، وهي باقتضاب:

1- هي: همّت للفاحشة، هو: ولولا برهان ربه لهم للفاحشة.
2- هي: همّت لتضربه، هو: همّ ليضربها.
3- هي: همّت للفاحشة، هو: همّت وساوس نفسه فجاهدها وانتصر عقله.
ولعل الرأي الثالث غير مستلطف لدى البعض.

والآن نذكر تفصيل الآراء.

*فقد بيّن تفسير الأمثل (7/ 179):
(وفي معنى هذه الجملة أقوال بين المفسّرين يمكن تصنيفها وإجمالها إلى ثلاثة تفاسير:
1 ـ إنّ امرأة العزيز كانت تريد أن تقضي وطراً مع يوسف، وبذلت وسعها في ذلك، وكاد يوسف يستجيب لرغبتها بطبيعة كونه بشراً شابّاً لم يتزوّج ويرى نفسه إزاء المثيرات الجنسيّة وجهاً لوجه ... لولا أن رأى برهان الله ... أي روح الإيمان والتقوى وتربية النفس، أضف إلى كلّ ذلك مقام العصمة الذي كان حائلا دون هذا العمل!
فعلى هذا يكون الفرق بين معاني «همّ» أي القصد من امرأة العزيز، والقصد من قبل يوسف، هو أنّ يوسف كان يتوقّف قصده على شرط لم يتحقّق، أي (عدم وجود برهان ربّه) ولكن القصد من امرأة العزيز كان مطلقاً، ولأنّها لم يكن لديها مثل هذا المقام من التقوى والعفّة، فإنّها صمّمت على هذا القصد حتّى آخر مرحلة، وإلى أن اصطدمت جبهتها بالصخرة الصمّاء!)
ثم يضيف:
(وطبقاً لهذا التّفسير لم يبدُ من يوسف أي شيء يدلّ على التصميم على الذنب، بل لم يكن في قلبه حتّى هذا التصميم).
ويساند هذا الرأي رواية عن الإمام الرضا:
(الطريف أنّ التّفسير الأوّل نقل عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في عبارة موجزة جدّاً وقصيرة، حيث يسأله المأمون «الخليفة العبّاسي» قائلا: ألا تقولون أنّ الأنبياء معصومون؟ فقال الإمام: «بلى». فقال: فما تفسير هذه الآية (ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربّه) فقال الإمام (عليه السلام): «لقد همّت به، ولولا أن رأى برهان ربّه لهمّ بها كما همّت، لكنّه كان معصوماً والمعصوم لا يهمّ بذنب ولا يأتيه» فقال المأمون: لله درُّك يا أبا الحسن.

2 ـ إنّ تصميم كلّ من امرأة العزيز ويوسف لا علاقة له بالوطر الجنسي، بل كان تصميماً على ضرب أحدهما الآخر ..
فتصميم امرأة العزيز على هذا العمل كان لعدم انتصارها في عشقها وبروز روح الانتقام فيها ثأراً لهذا العشق.
وتصميم يوسف كان دفاعاً عن نفسه، وعدم التسليم لطلب تلك المرأة).

-ويحاول البعض أن يؤكد هذا الرأي بآية قرآنية تالية، فيشير تفسير الأمثل - (7/ 181):
(نقرأ في ذيل هذه الآية (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء)والمراد بالفحشاء هو التلوّث وعدم العفّة .. والمراد بصرف السوء، هو نجاته من مخالف امرأة العزيز، وعلى كلّ حال فحين رأى يوسف برهان ربّه ... تجنّب الصراع مع امرأة العزيز وضربها، لأنّه قد يكون دليلا على تجاوزه وعدوانه عليها، ولذا رجّح أن يبتعد عن ذلك المكان ويفرّ نحو الباب).

وينتصر لهذا الرأي كتاب خواطري عن القرآن (2/ 57):
( كلمة (همَّ) لا تستعمل - في اللغة العربية الفصحى - للرغبة الجنسية، وإنما تستعمل للرغبة في الاعتداء اليدوي - كالضرب -، فعندما امتنع يوسف عن الاستجابة لزليخا، همَّت بضربه، تنفيساً لغضبها عليه... وهمَّ - يوسف - بضربها، دفاعاً عن شرفه، الذي حاولت طعنه... ولكنه تمالك عن ضربها، لمعرفته بأنه لو ضربها، لفسر بأنه كان يحاول الاعتداء على شرفها. فاكتفى بالهروب منها)
3 ـ ممّا لا شكّ فيه أنّ يوسف كان شابّاً يحمل جميع الأحاسيس التي في الشباب، وبالرغم من أنّ غرائزه كانت طوع عقله وإيمانه .. إلاّ أنّ مثل هذا الإنسان ـ بطبيعة الحال ـ يهيج طوفان في داخله لما يشاهده من مثيرات في هذا المجال، فيصطرع العقل والغريزة، وكلّما كانت أمواج المثيرات أشدّ كانت كفّة الغرائز أرجح، حتّى أنّها قد تصل في لحظة خاطفة إلى أقصى مرحلة من القوّة، بحيث لو تجاوز هذه المرحلة خطوة لهوى في مزلق مهول، ولكنّ قوّة الإيمان والعقل ثارت في نفسه فجأة وتسلّمت زمام الأُمور في انقلاب عسكري سريع وكبحت جماح الشهوة.
والقرآن يصوّر هذه اللحظة الخاطفة الحسّاسة والمتأزّمة التي وقعت بين زمانين هادئين ـ في الآية المتقدّمة ـ فيكون المراد من قوله تعالى: (وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربّه) إنّ يوسف انجرّ إلى حافّة الهاوية في الصراع بين الغريزة العقل، ولكن فجأةً ثارت قوّة الإيمان والعقل وهزمت طوفان الغريزة.. لئلاّ يتصوّر أحد أنّ يوسف عندما استطاع أن يخلّص نفسه من هذه الهاوية فلم يقم بعمل مهمّ، لأنّ أسباب الذنب والهياج الجنسي كانت فيه ضعيفة .. كلاّ أبداً .. فهو في هذه اللحظة الحسّاسة جاهد نفسه أشدّ الجهاد).
______________________

ودمتم بخير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق