الخميس، 17 يوليو 2014

من هي العجوز التي في الغابرين؟

(الخط الساخن للتدبر)

إحدى المتابعات للخط الساخن تسأل حول قوله في سورة الشعراء:
* فَنَجّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلاّ عَجُوزاً فِي الْغَابِرِينَ *

من هي المرأة المقصودة بهذه الآية؟

الإجابة:

يقول التبيان في تفسير القرآن، ج8، ص512:

(واستثنى من جملة أهله الناجين (عجوزا) أهلكها الله، لكونها على مثل ما كان قومه عليه * (في الغابرين) * أي في الباقين الذين أهلكوا، فالغابر الباقي قليلا بعد ما مضى، ومنه الغبار، لأنه يبقى بعد ذهاب التراب قليلا. والتغبير التلحين لأنه يبقى الصوت فيه بالترديد قليلا)

*ويقول الأمثل ج11، ص443:
(دعاء لوط لأهله لم يكن بسبب العلاقة العاطفية والارتباط النسبي القرابتي، بل لإيمانهم به...
فاستجاب الله دعاؤه كما تقول الآية التالية: (فنجّيناه وأهله أجمعين إلاّ عجوزاً في الغابرين).
وهذه العجوز لم تكن سوى زوج النّبي لوط التي كانت منسجمة مع أفكار قومه الضالين وعقيدتهم، ولم تؤمن بلوط أبداً، ولذلك ابتليت بما أُبتلي به قومه من العذاب والهلاك.)

*ويقول في ج14، ص395:
(«لوط» كسائر الأنبياء بدأ دعوته بتوحيد الله، ثمّ عمد إلى الجهاد ضدّ الفساد الموجود في المجتمع المحيط به، خاصّة ذلك الانحراف الخلقي المعروف باللواط، والذي ظلّ كوصمة عار لقوم لوط على طول التاريخ.
فهذا النّبي العظيم عانى المرارة مع قومه، وبذل كلّ ما يمتلك من جهد لإصلاح قومه المنحرفين، ومنعهم من الاستمرار في ممارسة عملهم القبيح، ولكن جهوده لم تسفر عن شيء. وعندما شاهد أنّ أفراد قلائل آمنوا به، قرّر إنقاذ نفسه وإنقاذهم من المحيط الفاسد الذي يعيشون فيه.
وفي نهاية الأمر فقد لوط الأمل في إصلاح قومه وعمد إلى الدعاء عليهم، حيث طلب من الله سبحانه وتعالى إنقاذه وعائلته، فاستجاب الباري عزّ وجلّ لدعائه وأنقذه وعائلته مع تلك الصفوة القليلة التي آمنت به، عدا زوجته العجوز التي لم ترفض فقط التمسّك بالتعليمات التي جاء بها، وإنّما عمدت ـ أحياناً ـ إلى تقديم العون لأعدائه.
وقد عذّب الله قوم لوط بأشدّ العذاب، إذ خسف بهم الأرض ثمّ أمطر عليهم حجارة من سجّيل، ليهلكوا عن آخرهم، وتمحى أجسادهم من الوجود أيضاً.)

*أما صاحب الميزان، ج12، ص93:
("إلا عجوزا في الغابرين" يعني فيمن طال أعمارهم، و قيل: فيمن بقي و لم يسر مع لوط، و قيل: فيمن بقي بعد في العذاب، و في آخر: "إلا امرأتك كانت من الغابرين" و في آخر: "قدرنا إنها لمن الغابرين" - إلى أن قال - و الغبار ما يبقى من التراب المثار و جعل على بناء الدخان و العثار و نحوهما من البقايا.
انتهى و لعله من هنا ما ربما يسمى الماضي و المستقبل معا غابرا أما الماضي فبعناية أنه بقي فيما مضى و لم يتعد إلى الزمان الحاضر و أما المستقبل فبعناية أنه باق لم يفن بعد كالماضي.)
ويضيف في ج17، 82:
(قوله تعالى: "إلا عجوزا في الغابرين" أي في الباقين في العذاب المهلكين به و هي امرأة لوط.)

*ذاك العذاب الذي يصفه كتاب "الانحرافات الكبرى.. (القرى الظالمة في القرآن الكريم)" في ص149:
(لقد طمست عيون القرية التي كان يسكنها لوط عليه السلام بإشارة من إصبع جبرائيل عليه السلام وطمست عيون القرى بحفنة من تراب ألقاها وقال شاهت الوجوه. وقضى الله أن يتخبطوا في الظلام كي يذوقوا مرارة الفزع قبل أن يأتيهم العذاب الأليم حيث لا ينفعهم قانون ولا ينفعهم قاضي الغلمان. لقد عاش قوم لوط ككتل آدمية تربت في الظلام، تنفخ فيها ثقافة فتجعلها تكبر سريعا. وكلما اشتد عودها كلما اعوجت وبدأت فظة مغمورة بالدنس. لقد اشتغلوا في حياتهم قطاع طرق، ليس من أجل سرقة الأمتعة فقط، وإنما من أجل سلب نور الفطرة بوضع أغطية الشذوذ عليها ليصبح الإنسان في مرتبة أدنى من مرتبة البهيمة. وفي الوقت الذي كانوا يقطعون نور الفطرة ببث ثقافتهم هنا وهناك، كانوا يحاربون الإنسان في كل مكان تحت عنوان قطع سبيل التناسل، وأمام سلبهم لنور الفطرة طمس الله على عيونهم وتركهم في ظلمات يتخبطون. حتى يأتي الصباح، فعند الصباح سيدفعون ثمن الجريمة كاملا، وفي الآخرة عذاب أليم.)

*ويقول تفسير مجمع البيان ج7، ص314:
(« إلا عجوزا في الغابرين » و أراد بالعجوز امرأته لأنها كانت تدل أهل الفساد على أضيافه فكانت من الباقين في العذاب و هلكت فيما بعده مع من خرج من القرية بما أمطره الله من الحجارة)

*وذكر كتاب (تبيين القرآن) ج2، ص220:
({فنجيناه وأهله أجمعين - إلاّ عجوزاً} هي زوجته الكافرة {في الغابرين} بقيت في الباقين وعذّبت معهم.)

*والأوضح من كل هذه التفاسير، هو جمع هذه الآية مع آيات أخرى:
حيث يبتان بوضوح من المقصود، إذ تقول: (إلا امرأتك كانت من الغابرين)، وتقول: (إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم)، (فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين)، (إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين).

ولذا جعلها الله مثالاً للذين كفروا مع امرأة نوح، حيث قال سبحانه:
(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ).

ودمتم بخير. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق