الاثنين، 14 يوليو 2014

خطاب المثنى في (تكذبان) لمن؟، ولمَ؟ ولماذا تكررت الآية؟


سؤال من إحدى المتابعات:

قال تعالى في سورة الرحمن : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) من المخاطب في الآية بصيغة المثنى ؟ ولماذا ؟ ولقد تكررت الآية في السورة أكثر من مرة ما السبب؟ 


الإجابة:


*من المخاطب في الآية؟

يقول صاحب تفسير التبيان في تفسير القرآن، ج9، ص454:
(وقوله " فبأي آلاء ربكما تكذبان " قال ابن عباس والحسن وقتادة: معناه فبأي نعمة من نعمه يا معشر الجن والانس تكذبان؟ !)
ولا يقبل تفسير الميزان رأي من يقول أن المقصود هما الذكر والأنثى حيث يقول في ج19، ص54:
(الخطاب في الآية لعامة الثقلين: الجن و الإنس و يدل على ذلك توجيه الخطاب إليهما صريحا فيما سيأتي من قوله: "سنفرغ لكم أيها الثقلان" و قوله: "يا معشر الجن و الإنس" إلخ، و قوله: "يرسل عليكما شواظ" إلخ، فلا يصغى إلى قول من قال: إن الخطاب في الآية للذكر و الأنثى من بني آدم)

*لماذا الجن والإنس؟
يقول صاحب تفسير الميزان ج19، 54:
(و توجيه الخطاب إلى عالمي الجن و الإنس هو المصحح لعد ما سنذكره من شدائد يوم القيامة و عقوبات المجرمين من أهل النار من آلائه و نعمه تعالى، فإن سوق المسيئين و أهل الشقوة في نظام الكون إلى ما تقتضيه شقوتهم و مجازاتهم بتبعات أعمالهم من لوازم صلاح النظام العام الجاري في الكل الحاكم على الجميع فذلك نعمة بالقياس إلى الكل و إن كان نقمة بالنسبة إلى طائفة خاصة منهم و هم المجرمون و هذا نظير ما نجده في السنن و القوانين الجارية في المجتمعات فإن التشديد على أهل البغي و الفساد مما يتوقف عليه حياة المجتمع و بقاؤه و ليس يتنعم به أهل الصلاح خاصة كما أن إثابة أهل الصلاح بالثناء الجميل و الأجر الحسن كذلك.
فما في النار من عذاب و عقاب لأهلها و ما في الجنة من كرامة و ثواب آلاء و نعم على معشر الجن و الإنس كما أن الشمس و القمر و السماء المرفوعة و الأرض الموضوعة و النجم و الشجر و غيرها آلاء و نعم على أهل الدنيا.
و يظهر من الآية أن للجن تنعما في الجملة بهذه النعم المعدودة في خلال الآيات كما للإنس و إلا لم يصح إشراكهم مع الإنس في التوبيخ.)

* لماذا التكرار؟
أما لماذا تكررت، فيرى تفسير التبيان في تفسير القرآن ج9،ص455:
(وإنما كررت هذه الآية، لأنه تقرير بالنعمة عند ذكرها على التفصيل نعمة نعمة. كأنه قيل بأي هذه الآلاء تكذبان. ثم ذكرت آلاء أخر فاقتضت من التذكير والتقرير بها ما اقتضت الأولى ليتأمل كل واحد في نفسها وفى ما تقتضيه صفتها من حقيقتها التي تتفصل بها من غيرها.)

وقريب منه قول صاحب (تبيين القرآن)،ص178:
({ فبأي آلاء } نعماء { ربكما } أيها الإنس والجن { تكذبان } بأن تقولا إنها ليست من آلاء الله، وكررت هذه الآية للتركيز).

بينما يقول صاحب تفسير الأمثل ج17، ص360:
(إنّ تكرار آية: (فبأي آلاء ربّكما تكذّبان) وفي مقاطع قصيرة أعطت وزناً متميّزاً للسورة، وخاصّة إذا قريء بالمعنى المعبّر الذي يستوحى منها ... فإنّ حالة من الشوق والإنبهار تحصل لدى الإنسان المؤمن.
ولذلك فلا نعجب عندما نقرأ في حديث للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث يقول: «لكلّ شيء عروس، وعروس القرآن سورة الرحمن جلّ ذكره»)
ويذكر أيضا ج17،ص380:
(إنّ هذا التكرار ليس فقط لا يتنافى مع الفصاحة، بل إنّه فنّ من فنونها، ويشبه هذا الأمر التكرار الذي يؤكّده الأب لابنه الذي يغفل عن وصاياه بصورة مستمرّة، فيخاطبه بصيغ مختلفة تأكيداً لعدم الغفلة والنسيان حيث يقول له: أنسيت يا ولدي ضعفك وطفولتك؟ أتعرف كم من الجهد بذلت من أجل تنميتك وتربيتك.
أنسيت يا ولدي كم أحضرت من الأطباء الأخصائيين يوم مرضك، وكم بذلت سعياً وجهداً في ذلك.
أنسيت يا ولدي حينما بلغت سنّ الشباب ما بذلته من جهد في زواجك حيث انتخبت لك زوجة من أكثر النساء عفّة وطهراً؟
أنسيت يا ولدي جهدي في مسألة إعداد بيتك ومستلزماته؟...)

ويضيف في ج17،ص379:
(فإنّ الله تعالى يضع (الإنس والجنّ) في هذه الآية مقابل الحقيقة التالية: وهي ضرورة التفكّر في النعم الإلهيّة السابقة التي منحها الله لكم وتسألون أنفسكم وعقولكم هذا السؤال: (فبأي آلاء ربّكما تكذّبان) فإن لم تكذّبوا بهذه النعم، فلماذا تتنكّرون لوليّ نعمتكم؟ ولماذا لا تجعلون شكره وسيلة لمعرفته؟ ولماذا لا تعظّمون شأنه؟)


ودمتم بخير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق