الاثنين، 28 يوليو 2014

حفص وعاصم.. من هما؟


الأخت (حورية عبدالمحسن) إحدى متابعات الخط الساخن تسأل:
قراءة القران تتم عن طريق رواية حفص عن عاصم، من هما؟ وماذا يقصد بقراءتها؟ وطريقتهما؟
 ______________________

الإجابة:
نود ذكر ملاحظة في البدء، أن مثل هذا السؤال جميل، لكنه خارج عن دائرة عملنا، حيث أننا نهتم بالحقل التفسيري في آيات القرآن الكريم بشكل مباشر.

أولاً: من هو عاصم؟
ورد في كتاب أعيان الشيعة (7/ 407) في ترجمة القارئ عاصم بن أبي النجود:
(عاصم بن أبي النجود بهدلة الكوفي أحد القراء السبعة قرأ على أبي عبد الرحمن السلمي [..] الذي قرأ على أمير المؤمنين ع ومن أصحابه ونقل عن المنتهى للعلامة انه قال أحب القراءات إليّ قراءة عاصم من طريق أبي بكر بن العياش، وقرأ أبان بن تغلب الذي هو شيخ الشيعة على عاصم، ولعاصم روايتان الأولى رواية حفص بن سليمان البزاز كان ابن زوجته الثانية ورواية أبي بكر بن عياش، وعاصم من الشيعة بلا كلام، نصّ على ذلك القاضي نور الله والشيخ عبد الجليل الرازي المتوفى سنة 556 شيخ ابن شهرآشوب في كتاب نقض الفضائح وانه كان مقتدى الشيعة).
*بينما ينقل في هامش كتاب تفسير غريب القرآن (ص: 64)
(عاصم بن أبي النجود بهدلة مولى بني جذيمة بن مالك بن نصر بن قعين ابن أسد، وبهدلة أمه، انتهت إليه رئاسة الإقراء بالكوفة وكان عثمانيا توفي بالكوفة وقيل بالسماوة سنة 127 للهجرة).
وهو خلاف ما نقلناه سابقاً من كتاب (أعيان الشيعة)، ويخالف أيضاً ما نقله كتاب (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) في (1/ 516) عن البعض أنه من أتباع أهل البيت(ع).

ثانياً: من هو حفص ؟
*يذكر كتاب (دفاع عن القرآن الكريم) في (ص: 23):
(حفصُ بن سليمان، الأسديّ أبو عمر البزّاز الكوفي، القارئ، الغاضِريّ، يُقال له: حُفَيْص (!) صاحب عاصم في القراءة وابن امرأته، وكان معه في دارٍ واحدةٍ، روى عن جمع، وروى عنه جمعٌ أكثر، قال العوفي: لو رأيتَه لقرّتْ عيناك فهماً وعلمًا، مات سنة 180' وله تسعون سنة، (تهذيب الكمال 7/ 10).
لكنّ أئمّة الجرح والتعديل من أهل الحديث، تكلّموا فيه:
قال الرازي: لا يُكتب حديثُه، هو ضعيفُ الحديث، لا يصدق، متروكُ الحديث.
وقال ابن معين: كان من أعلم الناس بقرأة عاصمٍ! وكان أقرأ من (زميله) أبي بكر القارئ، وكان كذّابا! ليس بثقةٍ.
وقال ابن المديني: ضعيف الحديث وتركتُهُ على عمدٍ![..]).
ثم يحاول الكتاب تفنيد آرائهم ورفضها فيقول:
(فانظر أيّها المسلمُ المحب للقرآن وأهله: كيف أن هؤلاء المتسمّين بأهل السنّة والحديث: يواجهون حملةَ القرآن ورواته والمتخصّصين بعلمه وقراءته بالسبّ والقذف والاتّهام!
فباللهِ عليك هل ترضى أنْ يكون معلّمُ القرآن والعالمُ به هكذا: رجلا، متّهما بالكذب والوضع، وتأخذ منه أقدس نصّ وأعظمه! وهو الذي أجمع المسلمون على قراءته وتواترت بينهم مدى القرون ؟!.
هذا، والرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم قد كرّم حملةَ القرآن فقال:(أشرافُ اُمّتي حملةُ القرآن))

*ثم ينتصر لحفص مجدداً فيقول:
(ويكفي في الردّ على إساءة أهل الحديث بقرّاء القرآن: أنّ الاُمّة اتّفقت على قبول قراءتهم وتداولها. [...]
لكنّ المغالين من أهل الحديث، في حُبّ ما لفّقوه من قواعد الجرح والتعديل، لا يُبالون بما سينجرّ إليه التزامهم، حتّى لو انجرّ إلى الإساءة بأعظم نص وأقدسه وهو القرآن؟
ولو كانوا يحبّون القرآن، لأعرضوا عن تلك القواعد التي صنعوها، ولحافظوا على كرامة القرآن من أنْ يمسّها أحدٌ بسوءٍ ولو بالإشارة، أو ببنت شَفَةٍ.
ولم يكن نصيبُ عاصمٍ الأسديّ بأحسن بكثيرٍ من صاحبه، فقد وجّهوا إليه تهمة سوء الحفظ! وقالوا: له أوهامٌ!![...]
ولكنّ تلك المحاولات المسيئة تذهبُ أدراج الرياح لمّا نجدُ الاُمّة قد اتّفقتْ على القرآن بهذه القراءة المنقولة عن هؤلاء القرّأ، فيكشف اتّفاقهم على قبول هؤلاء القُرّاء، عن ثقتهم وأمانتهم وضبطهم. وكرامتهم عند الله ورسوله والمؤمنين، لمّا تحمّلوا القرآن وتخصّصوا لنقله وحفظه وإبلاغه.)

*وورد في كتاب أعيان الشيعة (6/ 201)
(ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الإمام الصادق ع وقال أسند عنه).

*وللإجابة على القسم الآخر من السؤال، جميل أن ننقل ما ذكره صاحب تلخيص التمهيد (1/ 326) تحت عنوان: (حَفْص وقراءتنا الحاضرة)، حيث يقول:
(كانت ولا تزال القراءة الدارجة بين المسلمين ـ منذ العهد الأوّل حتّى عصرنا الحاضر ـ هي القراءة الَّتي تتوافق مع قراءة عاصم برواية حفْص، وكان لذلك سببان:
الأوَّل: ما أشرنا إليه سابقاً: أنّ قراءة حفْص كانت هي قراءةَ عامَّة المسلمين، وأنّ النِسبة مقلوبة، حيث كان حفْص وشيخه عاصم حريصَين على الالتزام بما وافَق قراءة العامّة والرواية الصحيحة المتواترة بين المسلمين، وهي القراءة الّتي أخذَها عاصم عن شيخه أبي عبد الرحمان السلمي عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولم يكن علي (عليه السلام) يقرأ إلاّ بما وافَق نصّ الوحي الأصل المتواتر بين المسلمين .
وهذه القراءة أقرأها عاصم لتلميذه حَفْص، ومن ثمّ اعتمدها المسلمون في عامّة أدوارهم ؛ نظراً إلى هذا التوافق والوئام، وكانت نسبتها إلى حفْص نسبة رمزية[...].
الثاني: أنّ عاصماً بين القرّاء المعروفين كان فريداً بسِماتٍ وخصائص، جَعلته عَلماً يُشار إليه بالبَنان، فقد كان ضابطاً مُتقناً للغاية، شديد الحذر والاحتياط فيمن يأخذ عنه القرآن متثبّتاً، ومن ثمّ لم يأخذ القراءة أخذاً إلاّ من أبي عبد الرحمان السلمي، عن علي (عليه السلام) وكان يعرضها على زرِّ بن حبيش عن ابن مسعود[...].
وهكذا في جميع أدوار التاريخ كانت قراءة عاصم هي القراءة المفضَّلة الَّتي راجَت بين عامَّة المسلمين، واتَّجهوا إليها في صورة جماعية).
من هنا تجدون أن البعض يأخذ برواية حفص عن عاصم لا لأنهما هما، وإنما لأن قراءتهما وافقت قراءة جمهور المسلمين، وعليه، فيرى البعض أننا لو افترضنا عدم وجودهما لما خُدِش التواتر، وهذا ما يذكره كتاب (البيان في تفسير القرآن) في (ص: 158):
(إن الواصل إلينا بتوسط القراء إنما هو خصوصيات قراءاتهم. وأما أصل القرآن فهو واصل إلينا بالتواتر بين المسلمين، وبنقل الخلف عن السلف. وتحفظهم على ذلك في صدورهم وفي كتاباتهم، ولا دخل للقراء في ذلك أصلا، ولذلك فإن القرآن ثابت التواتر حتى لو فرضنا أن هؤلاء القراء السبعة أو العشرة لم يكونوا موجودين أصلا. وعظمة القرآن أرقى من أن تتوقف على نقل أولئك النفر المحصورين).

ودمتم بخير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق