الأربعاء، 23 يوليو 2014

لماذا قال (ومن يقنت منكن) ولم يقل: (ومن تقنت منكن)؟

الأخت (خديجة) إحدى متابعات الخط الساخن تسأل عن قوله:
ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صلحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما (31- الأحزاب)
لماذا قالت الآية: (ومن يقنت) ولم تقل: (ومن تقنت لأن السياق في الآية يخاطب النساء (منكن/ وتعمل/نؤتها ...

الإجابة:
هذا التساؤل يطرح على آية أخرى أيضاً في قوله تعالى: {يا نساء النبي مَن يأْتِ مِنكُنَّ} [ الأحزاب : 30 ] فقال من يأت وليس من تأتِ.

في البدء سنبين بعض المقدمات التمهيدية حول معنى (من) في الآية:

قال صاحب الكشف والبيان (1/ 210):
(لفظ (من) يصلح للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث ). وكذلك ذكر صاحب (درج الدرر في تفسير الآي والسور) (1/ 47) حول لفظة (من) بأنه لفظ (يصلح أن يكون اسما للمذكّر والمؤنّث والاثنين والجماعة)، ويذكر صاحب الموسوعة القرآنية (8/ 537) مثالاً على أنها تذكر تارة للمفرد وأخرى للجمع فيقول: (يُعبّر به عن الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، قال: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ وفى أخرى: مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ).
وعليه، فقد يكون فعل (يقنت) يعود على لفظ (من) الشرطية، ومَن هنا تحتمل المفرد والمثنى والجمع، أما (تقنت) فهي تعود على المعنى، فلعلها تشير إلى إحدى نساء النبي فقط والتي تقوم بعملية القنوت لله. وربما بعد أن توسعت الدلالة بمن الشرطية، اكتفى بذلك فأعاد القول {وتعمل صَالحا}.
وقد نُقل عن الفراء في تفسير (الكشف والبيان) ـ (8/ 33):
(قال الفراء : إنّما قال ( يأتِ ) ( ويقنت ) لاِنّ مَنْ أداة تقوم مقام الاسم يعبّر به عن الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث).
وقد قال كتاب التحرير والتنوير (22/ 5) حول تقدير ذكر (يقنت):
 (مُرَاعَاةً لِمَدْلُولِ مَنْ الْشَرْطِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ [الْأَحْزَاب: 30])

أما وجهة نظر (التبيان في تفسير القرآن) - (8/ 324) فتقول:
(قرأ حمزة والكسائي " ومن يقنت منكن لله ورسوله ويعمل صالحا " بالياء فيهما على اللفظ، لان لفظة (من مذكر. الباقون " ومن يقنت " - بالياء - حملا على اللفظ " وتعمل " بالتاء حملا على المعنى، لان المعنى من النساء، فكنى بلفظ التأنيث، ولأنه قد ظهر علامة التأنيث في قوله " منكن " فكأن الرد عليه أولى من رده على اللفظ.
وروي في الشواذ "ومن تقنت" بالتاء حملا على المعنى وذلك جائز في العربية غير انه ليس بمعروف، ولا يقرأ به).

وأشار التفسير المنير (22/ 5):
(وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ ... وَتَعْمَلْ من ذكّر يقنت ويعمل حمله على لفظ مَنْ.
ومن أنّث «تعمل» حمله على لفظ «من» لأن المراد بها المؤنث. ولا مانع في النحو من التذكير بعد التأنيث، كما في قوله تعالى: وَقالُوا: ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا، وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا [الأنعام 6/ 139] ).

أما المعنى وهو الأهم، فيقول تفسير الأمثل - (13/ 230):

(«يقنت» من القنوت، وهو يعني الطاعة المقرونة بالخضوع والأدب، والقرآن يريد بهذا التعبير أن يأمرهنّ بأن يطعن الله ورسوله، ويراعين الأدب مع ذلك تماماً.
ونواجه هنا هذه المسألة مرّة اُخرى، وهي أنّ مجرّد ادّعاء الإيمان والطاعة لا يكفي لوحده، بل يجب أن تُلمس آثاره بمقتضى (وتعمل صالحاً).
«الرزق الكريم» له معنى واسع يتضمّن كلّ المواهب المادية والمعنوية، وتفسيره بالجنّة باعتبارها مجمعاً لكلّ هذه المواهب).

وكذلك في تفسير الميزان (16/ 308):
قوله تعالى: (ومن يقنت منكن لله ورسوله ويعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين)  الخ،  القنوت الخضوع،  وقيل: الطاعة وقيل: لزوم الطاعة مع الخضوع،  والاعتاد التهيئة،  والرزق الكريم مصداقه الجنة.
والمعنى: ومن يخضع منكن لله ورسوله أو لزم طاعة الله ورسوله مع الخضوع ويعمل عملا صالحا نعطها أجرها مرتين أي ضعفين وهيأنا لها رزقا كريما وهى الجنة.
والالتفات من الغيبة إلى التكلم بالغير في قوله: (نؤتها)  و (أعتدنا)  للإيذان بالقرب والكرامة،  خلاف البعد والخزي المفهوم من قوله: (يضاعف لها العذاب ضعفين) ).

ودمتم بخير.

هناك تعليقان (2):

  1. جزاكم الله خيرا وجعل ذلك فى ميزان حسناتكم

    ردحذف
  2. جزاكم الله خيرا وجعل ذلك فى ميزان حسناتكم

    ردحذف