الاثنين، 28 يوليو 2014

حفص وعاصم.. من هما؟


الأخت (حورية عبدالمحسن) إحدى متابعات الخط الساخن تسأل:
قراءة القران تتم عن طريق رواية حفص عن عاصم، من هما؟ وماذا يقصد بقراءتها؟ وطريقتهما؟
 ______________________

الإجابة:
نود ذكر ملاحظة في البدء، أن مثل هذا السؤال جميل، لكنه خارج عن دائرة عملنا، حيث أننا نهتم بالحقل التفسيري في آيات القرآن الكريم بشكل مباشر.

أولاً: من هو عاصم؟
ورد في كتاب أعيان الشيعة (7/ 407) في ترجمة القارئ عاصم بن أبي النجود:
(عاصم بن أبي النجود بهدلة الكوفي أحد القراء السبعة قرأ على أبي عبد الرحمن السلمي [..] الذي قرأ على أمير المؤمنين ع ومن أصحابه ونقل عن المنتهى للعلامة انه قال أحب القراءات إليّ قراءة عاصم من طريق أبي بكر بن العياش، وقرأ أبان بن تغلب الذي هو شيخ الشيعة على عاصم، ولعاصم روايتان الأولى رواية حفص بن سليمان البزاز كان ابن زوجته الثانية ورواية أبي بكر بن عياش، وعاصم من الشيعة بلا كلام، نصّ على ذلك القاضي نور الله والشيخ عبد الجليل الرازي المتوفى سنة 556 شيخ ابن شهرآشوب في كتاب نقض الفضائح وانه كان مقتدى الشيعة).
*بينما ينقل في هامش كتاب تفسير غريب القرآن (ص: 64)
(عاصم بن أبي النجود بهدلة مولى بني جذيمة بن مالك بن نصر بن قعين ابن أسد، وبهدلة أمه، انتهت إليه رئاسة الإقراء بالكوفة وكان عثمانيا توفي بالكوفة وقيل بالسماوة سنة 127 للهجرة).
وهو خلاف ما نقلناه سابقاً من كتاب (أعيان الشيعة)، ويخالف أيضاً ما نقله كتاب (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) في (1/ 516) عن البعض أنه من أتباع أهل البيت(ع).

ثانياً: من هو حفص ؟
*يذكر كتاب (دفاع عن القرآن الكريم) في (ص: 23):
(حفصُ بن سليمان، الأسديّ أبو عمر البزّاز الكوفي، القارئ، الغاضِريّ، يُقال له: حُفَيْص (!) صاحب عاصم في القراءة وابن امرأته، وكان معه في دارٍ واحدةٍ، روى عن جمع، وروى عنه جمعٌ أكثر، قال العوفي: لو رأيتَه لقرّتْ عيناك فهماً وعلمًا، مات سنة 180' وله تسعون سنة، (تهذيب الكمال 7/ 10).
لكنّ أئمّة الجرح والتعديل من أهل الحديث، تكلّموا فيه:
قال الرازي: لا يُكتب حديثُه، هو ضعيفُ الحديث، لا يصدق، متروكُ الحديث.
وقال ابن معين: كان من أعلم الناس بقرأة عاصمٍ! وكان أقرأ من (زميله) أبي بكر القارئ، وكان كذّابا! ليس بثقةٍ.
وقال ابن المديني: ضعيف الحديث وتركتُهُ على عمدٍ![..]).
ثم يحاول الكتاب تفنيد آرائهم ورفضها فيقول:
(فانظر أيّها المسلمُ المحب للقرآن وأهله: كيف أن هؤلاء المتسمّين بأهل السنّة والحديث: يواجهون حملةَ القرآن ورواته والمتخصّصين بعلمه وقراءته بالسبّ والقذف والاتّهام!
فباللهِ عليك هل ترضى أنْ يكون معلّمُ القرآن والعالمُ به هكذا: رجلا، متّهما بالكذب والوضع، وتأخذ منه أقدس نصّ وأعظمه! وهو الذي أجمع المسلمون على قراءته وتواترت بينهم مدى القرون ؟!.
هذا، والرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم قد كرّم حملةَ القرآن فقال:(أشرافُ اُمّتي حملةُ القرآن))

*ثم ينتصر لحفص مجدداً فيقول:
(ويكفي في الردّ على إساءة أهل الحديث بقرّاء القرآن: أنّ الاُمّة اتّفقت على قبول قراءتهم وتداولها. [...]
لكنّ المغالين من أهل الحديث، في حُبّ ما لفّقوه من قواعد الجرح والتعديل، لا يُبالون بما سينجرّ إليه التزامهم، حتّى لو انجرّ إلى الإساءة بأعظم نص وأقدسه وهو القرآن؟
ولو كانوا يحبّون القرآن، لأعرضوا عن تلك القواعد التي صنعوها، ولحافظوا على كرامة القرآن من أنْ يمسّها أحدٌ بسوءٍ ولو بالإشارة، أو ببنت شَفَةٍ.
ولم يكن نصيبُ عاصمٍ الأسديّ بأحسن بكثيرٍ من صاحبه، فقد وجّهوا إليه تهمة سوء الحفظ! وقالوا: له أوهامٌ!![...]
ولكنّ تلك المحاولات المسيئة تذهبُ أدراج الرياح لمّا نجدُ الاُمّة قد اتّفقتْ على القرآن بهذه القراءة المنقولة عن هؤلاء القرّأ، فيكشف اتّفاقهم على قبول هؤلاء القُرّاء، عن ثقتهم وأمانتهم وضبطهم. وكرامتهم عند الله ورسوله والمؤمنين، لمّا تحمّلوا القرآن وتخصّصوا لنقله وحفظه وإبلاغه.)

*وورد في كتاب أعيان الشيعة (6/ 201)
(ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الإمام الصادق ع وقال أسند عنه).

*وللإجابة على القسم الآخر من السؤال، جميل أن ننقل ما ذكره صاحب تلخيص التمهيد (1/ 326) تحت عنوان: (حَفْص وقراءتنا الحاضرة)، حيث يقول:
(كانت ولا تزال القراءة الدارجة بين المسلمين ـ منذ العهد الأوّل حتّى عصرنا الحاضر ـ هي القراءة الَّتي تتوافق مع قراءة عاصم برواية حفْص، وكان لذلك سببان:
الأوَّل: ما أشرنا إليه سابقاً: أنّ قراءة حفْص كانت هي قراءةَ عامَّة المسلمين، وأنّ النِسبة مقلوبة، حيث كان حفْص وشيخه عاصم حريصَين على الالتزام بما وافَق قراءة العامّة والرواية الصحيحة المتواترة بين المسلمين، وهي القراءة الّتي أخذَها عاصم عن شيخه أبي عبد الرحمان السلمي عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولم يكن علي (عليه السلام) يقرأ إلاّ بما وافَق نصّ الوحي الأصل المتواتر بين المسلمين .
وهذه القراءة أقرأها عاصم لتلميذه حَفْص، ومن ثمّ اعتمدها المسلمون في عامّة أدوارهم ؛ نظراً إلى هذا التوافق والوئام، وكانت نسبتها إلى حفْص نسبة رمزية[...].
الثاني: أنّ عاصماً بين القرّاء المعروفين كان فريداً بسِماتٍ وخصائص، جَعلته عَلماً يُشار إليه بالبَنان، فقد كان ضابطاً مُتقناً للغاية، شديد الحذر والاحتياط فيمن يأخذ عنه القرآن متثبّتاً، ومن ثمّ لم يأخذ القراءة أخذاً إلاّ من أبي عبد الرحمان السلمي، عن علي (عليه السلام) وكان يعرضها على زرِّ بن حبيش عن ابن مسعود[...].
وهكذا في جميع أدوار التاريخ كانت قراءة عاصم هي القراءة المفضَّلة الَّتي راجَت بين عامَّة المسلمين، واتَّجهوا إليها في صورة جماعية).
من هنا تجدون أن البعض يأخذ برواية حفص عن عاصم لا لأنهما هما، وإنما لأن قراءتهما وافقت قراءة جمهور المسلمين، وعليه، فيرى البعض أننا لو افترضنا عدم وجودهما لما خُدِش التواتر، وهذا ما يذكره كتاب (البيان في تفسير القرآن) في (ص: 158):
(إن الواصل إلينا بتوسط القراء إنما هو خصوصيات قراءاتهم. وأما أصل القرآن فهو واصل إلينا بالتواتر بين المسلمين، وبنقل الخلف عن السلف. وتحفظهم على ذلك في صدورهم وفي كتاباتهم، ولا دخل للقراء في ذلك أصلا، ولذلك فإن القرآن ثابت التواتر حتى لو فرضنا أن هؤلاء القراء السبعة أو العشرة لم يكونوا موجودين أصلا. وعظمة القرآن أرقى من أن تتوقف على نقل أولئك النفر المحصورين).

ودمتم بخير

السبت، 26 يوليو 2014

آية استئذان الأطفال

الأخت (أم ماريا) إحدى متابعات الخط الساخن للتدبر تسأل عن تفسير آية الاستئذان في سورة النور-58.
___________________

الإجابة

سنذكر لكم تفسيرين، أحدهما مقتضب، وآخر مسهب قليلاً.

*فأما المختصر فاخترناه لكم من تفسير تبيين القرآن - (2/ 198) حيث يقول:
({يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم} أي مروا عبيدكم أن يطلبوا الأذن {والذين لم يبلغوا الحلم} أي أولادكم غير البالغين {منكم ثلاث مرات} في ثلاث أوقات إذا أرادوا أن يدخلوا غرفكم الخاصة في هذه الأوقات {من قبل صلاة الفجر} لأنه وقت القيام من المضاجع وتبديل لباس الليل بلباس النهار {وحين تضعون ثيابكم} أي تنزعونها للقيلولة {من الظهيرة} فإن ذلك وقت تبديل الثياب والنوم والخلوة بالأهل {ومن بعد صلاة العشاء} فإنه وقت تبديل لباس النهار بلباس الليل {ثلاث عورات لكم} هذه الأوقات ثلاث أوقات خلل، فإن العورة بمعنى الخلل {ليس عليكم ولا عليهم جناح} حرج {بعدهنّ} أي بعد هذه الأوقات {طوّافون} يطوفون بالمجيء بلا استيذان {عليكم بعضكم على بعض} بيان «طوافون عليكم» {كذلك} هكذا {يبيّن الله لكم الآيات} الأحكام {والله عليم} بما يصلحكم {حكيم} في تشريعه الأحكام).

*وأما المسهب قليلاً فمن تفسير الأمثل - (11/ 157):
(يا أيّها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات) فيجب على عبيدكم وأطفالكم الاستئذان في ثلاث أوقات (من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء).
«الظهيرة» تعني كما يقول «الراغب الإصفهاني» في مفرداته «والفيروزآبادي» في القاموس المحيط: منتصف النهار وقريب الظهر حيث ينزع الناس عادة الملابس الإضافية، وقد يختلي الزوج بزوجته.
(ثلاث عورات لكم) أي هذه ثلاث أوقات للخلوة خاصّة بكم.
«العورة» مشتقّة من «العار»، أي: العيب. وأطلق العرب على العضو التناسلي العورة، لأنّ الكشف عنه عار.
كما تعني العورة الشقّ الذي في الجدار أو الثوب، وأحياناً تعني العيب بشكل عامّ.
وعلى كلّ فإنّ إطلاق كلمة (العورة) على هذه الأوقات الثلاثة بسبب كون الناس في حالة خاصّة خلال هذه الأوقات الثلاثة، حيث لا يرتدون الملابس التي يرتدونها في الأوقات الأُخرى.
وطبيعي أنّ المخاطب هنا هم أولياء الأطفال ليعلموهم هذه الأُصول، لأنّ الأطفال لم يبلغوا بعد سنّ التكليف لتشملهم الواجبات الشرعية.
كما أنّ عمومية الآية تعني شمولها الأطفال البنين والبنات، وكلمة «الَّذين» التي هي لجمع المذكر السالم، لا تمنع أن يكون مفهوم الآية عاماً، لأنّ هذه العبارة استعملتْ في كثير من الموارد وقصد بها المجموع، كما في آية وجوب الصوم، فلفظ «الَّذين» هناك يَعُمُّ المسلمين كافةً (سورة البقرة الآية 83).
ولابدّ من القول بأنّ هذه الآية تتحدّث عن أطفال مميزّين يعرفون القضايا الجنسية، ويعلمون ماذا تعني العورة. لهذا أمرتهم بالاستئذان عند الدخول إلى غرفة الوالدين، وهم يدركون سبب هذا الاستئذان، وجاءت عبارة «ثلاث عورات» شاهداً آخراً على هذا المعنى ولكن هل أن الحكم المتعلق بمن ملكت أيديكم يختص بالعبيد الذكور منهم أو يشمل الإماء والجواري، هناك أحاديثٌ مختلفةٌ في هذا المجال، ويمكن ترجيح الأحاديث التي تؤيد ظاهر الآية، أي شمولها الغلمان والجواري.
وتختتم الآية بالقول: (ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض) فلا حرج ولا إثم عليكم وعليهم إذا دخلوا بدون استئذان في غير هذه الأوقات الثلاثة، أجل: (كذلك يبيّن الله لكم الآيات والله عليم حكيم).
كلمة (طوافون) مشتقة من «الطواف» بمعنى الدوران حول شيء ما، وقد جاءت بصيغة مبالغة لتأكيد تعدد الطواف.
وبما أنّ عبارة (بعضكم على بعض) جاءت بعد كلمة (طوافون) فإنّ مفهوم الجملة يكون: إنهُ مسموح لكم بالطواف حول بعضكم في غير هذه الأوقات الثلاثة، ولكم أن تتزاوروا فيما بينكم ويخدم بعضكم بعضاً.
وكما قال «الفاضل المقداد» في كنز العرفان، فإنّ هذه العبارة بمنزلة دليل على عدم ضرورة الاستئذان في غير هذه الأوقات، لأنّ المسألة تتعقد إن رغبتم في الاستئذان كلّ مرّة.
وبيّنت الآية التالية الحكم بالنسبة للبالغين، حيث تقول: (وإذا بلغ الأطفال
منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم).
وكلمة «الحلم» على وزن «كتب» بمعنى العقل والكناية عن البلوغ، الذي يعتبر توأماً لِطفرة عقلية وفكرية، ومرحلة جديدة في حياة الإنسان.
وقيل أنّ الحلم بمعنى الرؤيا، فهي كناية عن احتلام الشباب حين البلوغ.
وعلى كلّ حال يستفاد من الآية السابقة، أنّ الحكم بالنسبة للبالغين يختلف عنه بالنسبة للأطفال غير البالغين، لأنّ أولئك يجب عليهم استئذانُ الوالدين في الأوقات الثلاثة فقط، لأنّ حياتهم قد امتزجت مع حياة والديهم بدرجة يستحيلُ بها الاستئذانُ كلّ مرة، وكما أنّهم لم يعرفوا المشاعر الجنسية بعد. أمّا الشباب البالغ، فهم مكلّفون في جميع الأوقات بالاستئذان حين الدخول على الوالدين.
ويَخصُّ هذا الحكم المكان المخصَّص لاستراحة الوالدين. أمّا إذا كان في غرفة عامّة يجلس فيها آخرون أيضاً، فلا حاجة للاستئذان منهما بالدخول.
والجدير بالذكر إنّ عبارة (كما استأذن الذين من قبلهم) إشارة إلى الكبار الذين يستأذنون من الوالدين حين الدخول إلى غرفتهما. وقد أردفتِ الآيةُ الشباب الذين بلغوا الرشد بهؤلاء، الكبار.
وتقول الآية في الختام للتأكيد والاهتمام الفائق: (كذلك يبيّن الله لكم آياته والله عليم حكيم).

ودمتم بخير

الجمعة، 25 يوليو 2014

(همّت به، وهمّ بها)!!


(يوسف) أحد متابعي (الخط الساخن للتدبر) يسأل عن معنى (الهم) في قوله:
(ولقد همّت بها وهمّ بها)24/يوسف.
_________________

الإجابة:
*حول معنى الهم، ينقل صاحب كتاب مفاهيم القرآن (5/ 168) عن معجم لسان العرب فيقول:
(لقد فسّره ابن منظور في لسانه بقوله : همّ بالشيء يهم همّاً : نواه وأراده وعزم عليه ، قال سبحانه : ( وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا )).

هذا هو المعنى الحرفي، أما في مآلات الآية وحقيقتها الواقعية فقد اختلفت أقوال المفسرين حولها، وأوصلها البعض لثمانية تأويلات تقريباً، بينما يجمل تفسير الأمثل آراء المفسرين إلى ثلاثة تحليلات، وهي باقتضاب:

1- هي: همّت للفاحشة، هو: ولولا برهان ربه لهم للفاحشة.
2- هي: همّت لتضربه، هو: همّ ليضربها.
3- هي: همّت للفاحشة، هو: همّت وساوس نفسه فجاهدها وانتصر عقله.
ولعل الرأي الثالث غير مستلطف لدى البعض.

والآن نذكر تفصيل الآراء.

*فقد بيّن تفسير الأمثل (7/ 179):
(وفي معنى هذه الجملة أقوال بين المفسّرين يمكن تصنيفها وإجمالها إلى ثلاثة تفاسير:
1 ـ إنّ امرأة العزيز كانت تريد أن تقضي وطراً مع يوسف، وبذلت وسعها في ذلك، وكاد يوسف يستجيب لرغبتها بطبيعة كونه بشراً شابّاً لم يتزوّج ويرى نفسه إزاء المثيرات الجنسيّة وجهاً لوجه ... لولا أن رأى برهان الله ... أي روح الإيمان والتقوى وتربية النفس، أضف إلى كلّ ذلك مقام العصمة الذي كان حائلا دون هذا العمل!
فعلى هذا يكون الفرق بين معاني «همّ» أي القصد من امرأة العزيز، والقصد من قبل يوسف، هو أنّ يوسف كان يتوقّف قصده على شرط لم يتحقّق، أي (عدم وجود برهان ربّه) ولكن القصد من امرأة العزيز كان مطلقاً، ولأنّها لم يكن لديها مثل هذا المقام من التقوى والعفّة، فإنّها صمّمت على هذا القصد حتّى آخر مرحلة، وإلى أن اصطدمت جبهتها بالصخرة الصمّاء!)
ثم يضيف:
(وطبقاً لهذا التّفسير لم يبدُ من يوسف أي شيء يدلّ على التصميم على الذنب، بل لم يكن في قلبه حتّى هذا التصميم).
ويساند هذا الرأي رواية عن الإمام الرضا:
(الطريف أنّ التّفسير الأوّل نقل عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في عبارة موجزة جدّاً وقصيرة، حيث يسأله المأمون «الخليفة العبّاسي» قائلا: ألا تقولون أنّ الأنبياء معصومون؟ فقال الإمام: «بلى». فقال: فما تفسير هذه الآية (ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربّه) فقال الإمام (عليه السلام): «لقد همّت به، ولولا أن رأى برهان ربّه لهمّ بها كما همّت، لكنّه كان معصوماً والمعصوم لا يهمّ بذنب ولا يأتيه» فقال المأمون: لله درُّك يا أبا الحسن.

2 ـ إنّ تصميم كلّ من امرأة العزيز ويوسف لا علاقة له بالوطر الجنسي، بل كان تصميماً على ضرب أحدهما الآخر ..
فتصميم امرأة العزيز على هذا العمل كان لعدم انتصارها في عشقها وبروز روح الانتقام فيها ثأراً لهذا العشق.
وتصميم يوسف كان دفاعاً عن نفسه، وعدم التسليم لطلب تلك المرأة).

-ويحاول البعض أن يؤكد هذا الرأي بآية قرآنية تالية، فيشير تفسير الأمثل - (7/ 181):
(نقرأ في ذيل هذه الآية (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء)والمراد بالفحشاء هو التلوّث وعدم العفّة .. والمراد بصرف السوء، هو نجاته من مخالف امرأة العزيز، وعلى كلّ حال فحين رأى يوسف برهان ربّه ... تجنّب الصراع مع امرأة العزيز وضربها، لأنّه قد يكون دليلا على تجاوزه وعدوانه عليها، ولذا رجّح أن يبتعد عن ذلك المكان ويفرّ نحو الباب).

وينتصر لهذا الرأي كتاب خواطري عن القرآن (2/ 57):
( كلمة (همَّ) لا تستعمل - في اللغة العربية الفصحى - للرغبة الجنسية، وإنما تستعمل للرغبة في الاعتداء اليدوي - كالضرب -، فعندما امتنع يوسف عن الاستجابة لزليخا، همَّت بضربه، تنفيساً لغضبها عليه... وهمَّ - يوسف - بضربها، دفاعاً عن شرفه، الذي حاولت طعنه... ولكنه تمالك عن ضربها، لمعرفته بأنه لو ضربها، لفسر بأنه كان يحاول الاعتداء على شرفها. فاكتفى بالهروب منها)
3 ـ ممّا لا شكّ فيه أنّ يوسف كان شابّاً يحمل جميع الأحاسيس التي في الشباب، وبالرغم من أنّ غرائزه كانت طوع عقله وإيمانه .. إلاّ أنّ مثل هذا الإنسان ـ بطبيعة الحال ـ يهيج طوفان في داخله لما يشاهده من مثيرات في هذا المجال، فيصطرع العقل والغريزة، وكلّما كانت أمواج المثيرات أشدّ كانت كفّة الغرائز أرجح، حتّى أنّها قد تصل في لحظة خاطفة إلى أقصى مرحلة من القوّة، بحيث لو تجاوز هذه المرحلة خطوة لهوى في مزلق مهول، ولكنّ قوّة الإيمان والعقل ثارت في نفسه فجأة وتسلّمت زمام الأُمور في انقلاب عسكري سريع وكبحت جماح الشهوة.
والقرآن يصوّر هذه اللحظة الخاطفة الحسّاسة والمتأزّمة التي وقعت بين زمانين هادئين ـ في الآية المتقدّمة ـ فيكون المراد من قوله تعالى: (وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربّه) إنّ يوسف انجرّ إلى حافّة الهاوية في الصراع بين الغريزة العقل، ولكن فجأةً ثارت قوّة الإيمان والعقل وهزمت طوفان الغريزة.. لئلاّ يتصوّر أحد أنّ يوسف عندما استطاع أن يخلّص نفسه من هذه الهاوية فلم يقم بعمل مهمّ، لأنّ أسباب الذنب والهياج الجنسي كانت فيه ضعيفة .. كلاّ أبداً .. فهو في هذه اللحظة الحسّاسة جاهد نفسه أشدّ الجهاد).
______________________

ودمتم بخير.

ما معنى (ليقضوا تفثهم)؟


(الخط الساخن للتدبر)
السائلة (أم حسن) تطلب معنى قوله:

(..ليقضوا تفثهم..)؟ آية 29/سورة الحج
_________________

الإجابة:

*ورد في تفسير الأمثل - (10/ 334):
((ثمّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم) أي ليطّهروا أجسامهم من الأوساخ والتلوّث، ثمّ ليوفوا ما عليهم من نذور).

*أما تفسير الصافي (3/ 375) فأسهب في بيانه، مشيراً لعدة روايات تذكر تطبيقات لمعنى قضاء التفث:
ثم ليقضوا تفثهم ثم ليزيلوا وسخهم بقص الأظفار والشارب وحلق الرأس ونحوها وليوفوا نذورهم مناسك حجهم وقريء بكسر اللام فيهما وبتشديد الفاء .
في الكافي والفقيه عن الصادق عليه السلام: التفث هو الحلق وما في جلد الإنسان .
وعن الرضا عليه السلام: التفث تقليم الأظافر وطرح الوسخ وطرح الإحرام عنه.
وفي الفقيه عن الباقر عليه السلام: التفث حفوف الرجل من الطيب فإذا قضى نسكه حل له الطيب.

*ثم يذكر رواية فريدة وغريبة عن الإمام الصادق عليه السلام:
(وعن عبد الله بن سنان عن ذريح المحاربي قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام إن الله أمرني في كتابه بأمر فأحب أن أعلمه، قال: وما ذاك؟ قلت: قول الله تعالى: (ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم)، قال عليه السلام: ليقضوا تفثهم لقاء الأمام، وليوفوا نذورهم تلك المناسك. قال عبد الله بن سنان: فأتيتُ أبا عبد الله عليه السلام، فقلت: جعلت فداك، قول الله تعالى ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم؟ قال: أخذ الشارب وقص الأظفار وما أشبه ذلك. قال قلت: جعلت فداك إن ذريح المحاربي حدثني عنك بأنك قلت له ليقضوا تفثهم لقاء الإمام وليوفوا نذورهم تلك المناسك؟ فقال: صدق وصدقت، إن للقرآن ظاهرا وباطنا ومن يحتمل ما يحتمل ذريح.
أقول : وجه الاشتراك بين التفسير والتأويل هو التطهير فإن أحدهما تطهير عن الأوساخ الظاهرة والآخر عن الجهل والعمى).


ودمتم بخير

هل وَكْزُ النبي موسى للقبطي من عمل الشيطان؟!

الأخت (عاتكة) إحدى متابعاتنا في (الخط الساخن للتدبر) تسأل:
استفساري عن قول نبي الله موسى في سورة القصص آية ١٥ حينما وكز القبطي فقضى عليه فقال: (هذا من عمل الشيطان) مع أن نبي الله لم يضربه بنية القتل إنما قضاء الله أن يموت القبطي بهذه الضربة؟
____________________________

الإجابة:

الآية تقول: وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15)

سنوضح في البدء السياق العام عبر ذكر مقتطف من تفسير الأمثل - (12/ 197):
(موسى دخل المدينة، وهنالك واجه مشادّة ونزاعاً، فاقترب من منطقة النزاع (فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوّه ).
والتعبير بـ «شيعته» يدل على أن موسى قبل أن يبعث كان له أتباع وأنصار وشيعة من بني إسرائيل، وربّما كان قد اختارهم لمواجهة فرعون وحكومته كنواة أساسية.
فلمّا بصر الإسرائيلي بموسى استصرخه (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوّه ).
فجاءه موسى(عليه السلام) لاستنصاره وتخليصه من عدوّه الظالم.. الذي يقال عنه أنّه كان طباخاً في قصر فرعون، وكان يريد من الإسرائيلي أن يحمل معه الحطب إلى القصر، فضرب موسى هذا العدو بقبضة يده القوية على صدره، فهوى إلى الأرض ميتاً في الحال تقول الآية: (فوكزه موسى فقضى عليه ).
وممّا لا شك فيه، فإنّ موسى لم يقصد أن يقتل الفرعوني، ويتّضح ذلك من خلال الآيات التالية أيضاً.. ولا يعني ذلك أن الفراعنة لم يكونوا يستحقون القتل، ولكن لاحتمال وقوع المشاكل والتبعات المستقبلية على موسى وجماعته لذلك فإنّ موسى(عليه السلام) أسف على هذا الأمر (قال هذا من عمل الشيطان إنّه عدوّ مبين ).
وبتعيبر آخر: فإنّ موسى(عليه السلام) كان يريد أن يبعد الفرعوني عن الرجل الإسرائيلي، وإن كان الفرعونيون يستحقون أكثر من ذلك. لكن ظروف ذلك الوقت لم تكن تساعد على مثل هذا العمل، وكما سنرى فإن ذلك الأمر دعا موسى(عليه السلام) إلى أن يخرج من مصر إلى أرض مدين وحرمه من البقاء في مصر.
ثمّ يتحدث القرآن عن موسى(عليه السلام) فيقول: (قال ربّ إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنّه هو الغفور الرحيم ).
ومن المسلم به أنّ موسى(عليه السلام) لم يصدر منه ذنب هنا، بل ترك الأولى، فكان ينبغي عليه أن يحتاط لئلا يقع في مشكلة، ولذلك فإنّه استغفر ربّه وطلب منه العون، فشمله اللطيف الخبير بلطفه).


أما بالنسبة لقوله: (هذا من عمل الشيطان)، فللمفسرين عدة آراء، منها:

-ورد في التبيان في تفسير القرآن (8/ 127):
(وقيل: ان الكناية عن المقتول، فكأنه قال: ان المقتول من عمل الشيطان أي عمله عمل الشيطان).

- أما تفسير الأمثل - (12/ 199):
(ما صدر من موسى(عليه السلام) هو من قبيل «ترك الأولى» لا أكثر، إذ كان عليه أن يحتاط قبل أن يضرب القبطي، فلم يحتط، فأوقع نفسه في مشاكل جانبية، لأنّ قتل القبطي لم يكن أمراً هيناً حتى يعفو عنه الفراعنة.
ونعرف أن ترك الأُولى لا يعني أنّه عمل حرام ذاتاً، بل يؤدي إلى ترك عمل أهم وأفضل، دون أن يصدر منه عمل مخالف ومناف لذلك العمل!).

ثم يضيف تفسير الأمثل - (12/ 200):
«قال هذا من عمل الشيطان» يعني الاقتتال الذي وقع بين الرجل لا ما فعله موسى (عليه السلام) من قتله «إنّه» يعنى الشيطان «عدوّ مضل مبين»

وقريب منه ما ورد في تفسير الميزان (16/ 18):
(وقوله: (قال هذا من عمل الشيطان انه عدو مضل مبين)  الإشارة بهذا إلى ما وقع بينهما من الاقتتال حتى أدى إلى موت القبطي وقد نسبه نوع نسبة إلى عمل الشيطان إذ قال: (هذا من عمل الشيطان)  و (من)  ابتدائية تفيد معنى الجنس أو نشوئية،  والمعنى: هذا الذي وقع من المعاداة والاقتتال من جنس العمل المنسوب إلى الشيطان أو ناش من عمل الشيطان فانه هو الذي أوقع العداوة والبغضاء بينهما وأغرى على الاقتتال حتى أدى ذلك إلى مداخلة موسى وقتل القبطي بيده فأوقعه ذلك في خطر عظيم وقد كان يعلم أن الواقعة لا تبقى خفية مكتومة وأن القبط سيثورون عليه وأشرافهم وملاؤهم وعلى رأسهم فرعون سينتقمون منه ومن كل من تسبب إلى ذلك أشد الانتقام.
فعند ذلك تنبه (عليه السلام)  أنه أخطأ فيما فعله من الوكز الذي أورده مورد الهلكة ولا ينسب الوقوع في الخطأ إلى الله سبحانه لأنه لا يهدى إلا إلى الحق والصواب فقضى أن ذلك منسوب إلى الشيطان).
ثم ينقل تفسير الميزان (16/ 22) رواية عن الإمام الرضا(ع):
 (قال الرضا (عليه السلام) : إن موسى (عليه السلام)  دخل مدينة من مدائن فرعون على حين غفلة من أهلها وذلك بين المغرب والعشاء فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فقضى على العدو بحكم الله تعالى ذكره فوكزه فمات،  قال: هذا من عمل الشيطان يعنى الاقتتال الذي وقع بين الرجلين لا ما فعله موسى (عليه السلام)  من قتله (انه)  يعنى الشيطان (عدو مضل مبين) .
قال المأمون: فما معنى قول موسى: رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي)؟ قال: يقول: وضعت نفسي غير موضعها بدخول هذه المدينة فاغفر لي أي استرني من أعدائك لئلا يظفروا بي فيقتلوني فغفر له انه هو الغفور الرحيم.)

-أما صاحب كتاب عصمة الانبياء في القرآن الكريم - (ص: 157):
انّ قوله: (هذا من عمل الشيطان) يحتمل وجهين:
الاَوّل: أن يكون لفظ "هذا" إشارة إلى المناقشة التي دارت بين القبطي والاِسرائيلي وانتهت إلى قتل الاَوّل، وعلى هذا الوجه ليست فيه أيّة دلالة على شيء ممّا يتوخاه المستدل... وقد رواه ابن الجهم عن الاِمام الرضا (عليه السلام) عندما سأله المأمون عن قوله: (هذا من عمل الشيطان) فقال: الاقتتال الذي كان وقع بين الرجلين لا ما فعله موسى من قتله. الثاني: انّ لفظ "هذا" إشارة إلى قتله القبطي، وإنّما وصفه بأنّه من عمل الشيطان، لوجهين:
ألف: انّ العمل كان عملاً خطأً محضاً ساقه إلى عاقبة وخيمة، فاضطر إلى ترك الدار والوطن بعد ما انتشر سره ووقف بلاط فرعون على أنّ موسى قتل أحد أنصار الفراعنة، وأتمروا عليه ليقتلوه، ولولا أنّ مؤمن آل فرعون أوقفه على حقيقة الحال، لاَخذته الجلاوزة وقضوا على حياته، كما قال سبحانه: (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فاخْرُجْ إِنّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ)(2) ، فلم تكن لهذا العمل أيّة فائدة فردية أو اجتماعية سوى إلجائه إلى ترك الديار وإلقاء الرحل في دار الغربة "مدين"، والاشتغال برعي الغنم أجيراً لشعيب (عليه السلام).
فكما أنّ المعاصي تنسب إلى الشيطان، قال سبحانه: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الاَنْصابُ وَ الاَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُم تُفْلِحُونَ) فكذلك الاَعمال الخاطئة الناجمة من سوء التدبير وضلال السعي، السائقة للإنسان إلى العواقب المرة، تنسب إليه أيضاً.
فالمعاصي والأَعمال الخاطئة كلاهما تصح نسبتهما إلى الشيطان بملاك أنّه عدو مضل للاِنسان، والعدو لا يرضى بصلاحه وفلاحه بل يدفعه إلى ما فيه ضرره في الآجل والعاجل، ولاَجل ذلك قال بعدما قضى عليه: (هذا من عمل الشيطان انّه عدو مضل مبين) .
ب. انّ قتل القبطي كان عملاً ناجماً عن العجلة في محاولة تدمير العدو، ولو أنّه كان يصبر على مضض الحياة قليلاً لنبذ القبطي مع جميع زملائه في اليم من دون أن توجد عاقبة وخيمة، كما قال سبحانه: (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمينَ))


ودمتم بخير.

الخميس، 24 يوليو 2014

تفسير مختصر لسورة القلم


الخط الساخن للتدبر

الأخت (أم زهراء) إحدى متابعات الخط الساخن تطلب تفسير سورة القلم:
_____________________

الإجابة:

سنكتفي بتفسير شبر فقط (ص: 527-529)
بسم الله الرحمن الرحيم
(ن) روي أنه نهر في الجنة وقيل اسم للحوت أو للدواة (والقلم) الذي كتب به اللوح أو الذي يكتب به (وما يسطرون) يكتبون أي الحفظة أو أصحاب القلم.
(ما أنت بنعمة ربك بمجنون) جواب القسم رد لقولهم: إنه مجنون.
(وإن لك لأجرا) على تحمل المشاق (غير ممنون) مقطوع.
(وإنك لعلى خلق عظيم) لا يماثله خلق في الحسن.
(فستبصر ويبصرون).
(بأيكم المفتون) أيكم الذي فتن بالجنون والباء زائدة أو بأيكم الفتنة أي الجنون أو في أي الفريقين المجنون أفي المؤمنين أم في الكفرة.
(إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله) فاستحق اسم المجنون (وهو أعلم بالمهتدين) له بكمال العقل.
(فلا تطع المكذبين) تهييج له (صلى الله عليه وآله وسلّم).
(ودوا لو تدهن) تمنوا أن تلين لهم (فيدهنون) فيلينون لك حينئذ.
(ولا تطع كل حلاف) كثير الحلف بالباطل (مهين) حقير.
(هماز) مغتاب (مشاء بنميم) نقال للكلام على وجه الإفساد بين الناس.
(مناع للخير) للمال عن الحقوق أو مناع قومه الخير أي الإسلام (معتد) متجاوز في الظلم (أثيم) كثير الإثم.
(عتل) جاف غليظ (بعد ذلك) المعدود من صفاته (زنيم) دعي قيل هو الوليد بن مغيرة ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة.
(أن كان ذا مال وبنين) لا تطع من هذه صفاته لأن كان ذا مال.
(إذا تتلى عليه ءاياتنا قال أساطير الأولين).
   (سنسمه) نعلمه بعلامة (على الخرطوم) على أنفه خطف أنفه بالسيف يوم بدر فبقي وسما أو في الآخرة فيتميز عن سائر الكفرة.
(إنا بلوناهم) أخبرناهم بالقحط (كما بلونا أصحاب الجنة) هي بستان كانت بقرب صنعاء لرجل صالح وكان يعطي الفقراء منه كثيرا فلما مات قال بنوه إن فعلنا كأبينا لم يسعنا فحلفوا ليقطعوا ثمره صبحا لغيبة المساكين (إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين).
(ولا يستثنون) لا يقولون إن شاء الله أو لا يخرجون سهم الفقراء.
(فطاف عليها طائف من ربك) نارا أحرقتها ليلا (وهم نائمون).
(فأصبحت كالصريم) كالبستان المصروم ثمره أو كالليل سوادا أو كالنهار بياضا ليبسها سميا صريما لانصرام كل منهما عن الآخر أو كالرمل.
(فتنادوا مصبحين).
(أن) بأن أو أي (اغدوا على حرثكم) اخرجوا إلى زرعكم غدوة وعدي بعلى لتضمنه معنى الإقبال (إن كنتم صارمين) قاطعين لثمره.
(فانطلقوا وهم يتخافتون) يتسارون أي خفي من خفت.
(أن) أي (لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين).
(وغدوا على حرد) منع للفقراء صلة (قادرين) أي لا يقدرون إلا عليه لذهاب ثمرهم يعني لما أرادوا نكد الفقراء نكد عليهم بحيث لا يقدرون على غير النكد أو على غضب بعضهم لبعض.
(فلما رأوها) محترقة (قالوا إنا لضالون) عن الدين فعوقبنا بذلك أو عن جنتنا ما هي إياهم ثم تأملوا فعرفوها فقالوا.
(بل نحن محرومون) خيرها لمنعنا حقها.
(قال أوسطهم) أعدلهم (ألم أقل لكم) آنفا (لو لا تسبحون) هلا تستثنون إذ الاستثناء تعظيم لله وتنزيه له أو لا تذكرونه تائبين.
(قالوا سبحان ربنا) عن الظلم (إنا كنا ظالمين) بما فعلنا.
(فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون) فبعض يلوم من أشار بذلك وبعض يلوم من رضي به.
(قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين) بذنبنا.
(عسى ربنا أن يبدلنا) بالتخفيف والتشديد (خيرا منها) باعترافنا بذنبنا (إنا إلى ربنا راغبون).
(كذلك) المذكور مما بلونا به أهل مكة وأصحاب الجنة (العذاب) الدنيوي (ولعذاب الآخرة أكبر) أعظم (لو كانوا يعلمون) ذلك لأطاعوا.

(إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم).
(أفنجعل المسلمين كالمجرمين) إنكار لقولهم إن بعثنا كما يزعم المسلمون نعطي أفضل منهم كما في الدنيا أو نساويهم.
(ما لكم) التفات (كيف تحكمون) هذا الحكم الباطل.
(أم لكم كتاب) من الله (فيه تدرسون) تقرءون.
(إن لكم فيه لما تخيرون) تختارون.
(أم لكم أيمان) عهود بأيمان (علينا بالغة) في التوكيد (إلى يوم القيامة) متعلق بمقدر في علينا أي ثابتة (إن لكم لما تحكمون) به لأنفسكم.
(سلهم أيهم بذلك) الحكم أي بتصحيحه (زعيم) كفيل لهم.
(أم لهم شركاء) في هذا القول (فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين) في دعواهم ومفاد الآيات أنهم لا مستند لهم من عقل ولا نقل.
(يوم) ظرف يأتوا أو مقدر بِاذكُر (يكشف عن ساق) عبارة عن شدة الأمر يوم القيامة (ويدعون إلى السجود) توبيخا (فلا يستطيعون) ليبس ظهورهم.
(خاشعة أبصارهم) لا ترفع (ترهقهم) تغشاها (ذلة وقد كانوا) في الدنيا (يدعون إلى السجود وهم سالمون) أصحاء متمكنون فلا يجيبون.
(فذرني ومن يكذب بهذا الحديث) كله إني أَكْفِكَهُ (سنستدرجهم) سنقربهم من النعمة درجة درجة بالإمهال وترادف النعم (من حيث لا يعلمون) ذلك.
(وأملي لهم) أمهلهم (إن كيدي متين) بطشي شديد سمي كيدا لأنه بصورته.
(أم تسئلهم أجرا) على التبليغ (فهم من مغرم) غرم لك (مثقلون) بذلك فلا يؤمنون.
(أم عندهم الغيب) أي علمه (فهم يكتبون) منه ما يقولون.
(فاصبر لحكم ربك) بإمهالهم (ولا تكن) في الضجر (كصاحب الحوت) يونس (إذ نادى) ربه (وهو مكظوم) مملوء غيظا في بطن الحوت في قومه.
(لو لا أن تداركه نعمة من ربه) أدركه رحمة منه والتذكير للفصل (لنبذ بالعراء) بالفضاء (وهو مذموم) ملوم بترك الأولى.
(فاجتباه ربه فجعله من الصالحين).
(وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم) إن هي المخففة واللام فارقة أي ينظرون إليك نظر بغض يكادون يزلونك به عن موقفك أو يصيبونك بأعينهم (لما سمعوا الذكر) القرآن (ويقولون) حسدا (إنه لمجنون) بما يتلوه من القرآن.
(وما هو) أي القرآن (إلا ذكر) عظة (للعالمين) أو مذكر لهم.

* ملاحظة:
- ليس من منهجيتنا شرح سور طويلة نسبياً، حيث أن طريقتنا في الإجابة عدم الاكتفاء بقول تفسير واحد ليتسنى عرض أكثر من رأي في المسألة، ولكن لطبيعة السؤال الطويل هنا اكتفينا بذكر تفسير واحد فقط.
ودمتم بخير.

*لطفاً بإمكانك التعليق أو قراءة أسئلة الآخرين عبر مدونة (الخط الساخن للتدبر)  بالضغط على الرابط:
http://tadabborq.blogspot.com/
*إذا استفدت مما قرأت، فنرجو نشرها لينتفع غيرك.


ما معنى كلمة الحَرُور؟


الأخت (فاطمة) إحدى متابعات الخط الساخن تسأل:

ما معنى كلمة الحَرُور في قوله:  

وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (٢١-سورة فاطر)

***


الإجابة:

* التبيان في تفسير القرآن- (8/ 409)
(والحرور السموم وهو الريح الحارة في الشمس، وقال الفراء: الحرور يكون بالليل والنهار والسموم لا يكون إلا بالنهار.
وقيل: الظل الجنة والحرور النار).

ورد في تبيين القرآن - (3/ 47)
({ولا الظّل} الثواب {ولا الحرور} النار الحارة والمراد بها العقاب).

تفسير الأمثل - (14/ 61)
(الآية (ولا الظلّ ولا الحرور) فالمؤمن يستظلّ في ظلّ إيمانه بهدوء وأمن وأمان، أمّا الكافر فلكفره يحترق بالعذاب والألم.
يقول «الراغب» في مفرداته: الحرور: (على وزن قبول) الريح الحارّة. واعتبرها بعضهم «ريح السموم» وبعضهم قال بأنّها «شدّة حرارة الشمس».
ويقول «الزمخشري» في الكشّاف: «السموم يكون بالنهار، والحرور بالليل والنهار، وقيل بالليل خاصّة»، على أيّة حال، فأين الحرور من الظلّ البارد المنعش الذي يبعث الارتياح في روح وجسم الإنسان)).

أما تفسير القمي فذكر رأياً غريباً عن التفسيرات السابقة، حيث شرح في (ج2/ ص208):
( فالظل الناس والحرور البهائم).

وثمة آراء أخرى تشرح الآية بتطبيقاتها ومصاديقها لم نذكرها.


ودمتم بخير.

الأربعاء، 23 يوليو 2014

براءة بلا بسملة والمسد بها بسملة؟!


الأخت (عقيلة) إحدى متابعات الخط الساخن تسأل:
لماذا لم تبدأ سورة براءة بالبسملة وبدأت سورة المسد بالبسملة؟ مع أن كلتيهما، الأولى: بدأت بالتبرؤ من الكفار، والثانية: بدأت بالدعاء على الكافر.

الإجابة:
* نقل تفسير الصافي (2/ 318) رواية واردة:
(في المجمع: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم ينزل (بسم الله الرحمن الرحيم) على رأس سورة براءة لأن بسم الله للأمان والرحمة، ونزلت براءة لدفع الأمان والسيف.
وفيه، والعياشي: عن الصادق (عليه السلام) الأنفال وبراءة واحدة).

*من هنا يشير تفسير الميزان (9/ 146):
(وقد اختلفوا في كونها سورة مستقلة أو جزء من سورة الأنفال،  واختلاف المفسرين في ذلك ينتهى إلى اختلاف الصحابة ثم التابعين فيه، وقد اختلف في ذلك الحديث عن أئمة أهل البيت (ع)  غير أن الأرجح بحسب الصناعة ما يدل من حديثهم على أنها ملحقة بسورة الأنفال).
وعند صحة هذا القول لا يمكن مقارنة سورة براءة مع سورة المسد من هذه الزاوية أقلاً.

*وذكر تفسير الأمثل  (1/ 27):
(وتنفرد سورة التوبة بعدم بدئها بالبسملة، لأنّها تبدأ بإعلان الحرب على مشركي مكة وناكثي الأيمان، وإِعلان الحرب لا ينسجم مع وصف الله بالرحمن الرحيم).
ونقل في تفسير مجمع البيان (5/ 3):
(عن حذيفة قال يسمونها سورة التوبة و هي سورة العذاب)

*لذا يتساءل صاحب كتاب (خواطري عن القرآن) ج2،ص4 بأسلوبه الأدبي حول سورة براءة:
(هل تهدم الأمل بالإنسان الخارج على الله، فحتى لا محاولة، وحتى أقيلت السورة عن استقلالها، ونزع عنها تاج (بسم الله)، حتى لا يهتك (الرحمن الرحيم) عنق الظلام، وحتى لا يكون - من أول المبدأ - سياج ولا باب، أمام الرياح الوحشية، التي هاجت لتوقف دورة الزمان، وتغسل الأرض من آخر تعبير للشيطان؟!)

وقد يكون الفرق بينها وبين سورة المسد إضافة لما ذكرناه سابقاً حول جهة العلاقة بين براءة والأنفال، أن المسد جاءت بذكر شخص واحد محدد، أما سورة براءة فإنها تتحدث عن عموم المشركين.
هذا ما يفضي إليه تأملنا البسيط، والله أعلم بأسرار كتابه.


ودمتم بخير.